سورة العنكبوت - تفسير تفسير أبي السعود

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (العنكبوت)


        


{أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرجال وَتَقْطَعُونَ السبيل} وتتعرَّضُون للسَّابلةِ أي بالفاحشةِ، حيثُ رُوي أنَّهم كانُوا كثيراً ما يفعلونَها بالغُرباء وقيل تقطعون سبيلَ النِّساءِ بالإعراضِ عن الحَرثِ وإتيانِ ما ليس بحرثٍ وقيل: تقطعونَ السَّبيلَ بالقتلِ وأخذِ المالِ {وَتَأْتُونَ فِى نَادِيكُمُ} أي تفعلون في مجلسِكم الجامعِ لأصحابكم {المنكر} كالجماعِ والضُّراطِ وحلِّ الإزارِ وغيرِها مما لا خيرَ فيه من الأفاعيل المنكرةِ. وعن ابن عبَّاسٍ رضي الله عنهما هو الحَذفُ بالحَصَى والرَّميُّ بالبناد والفرقعةُ ومضغُ العلكِ والسِّواكِ بينَ النَّاس وحلُ الإزارِ والسِّبابُ والفُحشُ في المِزاحِ، وقيل: السُّخريةُ بمن مرَّ بهم، وقيل المجاهرةُ في ناديهم بذلكَ العملِ. {فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلاَّ أَن قَالُواْ ائتنا بِعَذَابِ الله إِن كُنتَ مِنَ الصادقين} أي فما كان جواباً من جهتِهم شيءٌ من الأشياءِ إلا هذه الكمةُ الشَّنيعةُ أي لم يصدر عنهم في هذه المرَّةِ من مرَّاتِ مواعظ لوطٍ عليه السَّلام وقد كان أوعدهم فيها بالعذابِ وأمَّا ما في سُورة الأعراف من قولِه تعالى: {وَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلا أَن قَالُواْ أَخْرِجُوهُم مّن قَرْيَتِكُمْ} الآيةَ وما في سورة النَّمل من قولِه تعالى: {فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلاَّ أَن قَالُواْ أَخْرِجُواْ ءالَ لُوطٍ مّن قَرْيَتِكُمْ} الآيةَ فهو الذي صَدر عنهم بعده هذه المرةُ وهي المرَّةُ الأخيرةُ من مرَّات المُقاولاتِ الجاريةِ بينهم وبينه عليه الصَّلاة والسَّلام وقد مرَّ تحقيقُه في سورةِ الأعرافِ.
{قَالَ رَبّ انصرنى} أي بإنزالِ العذابِ الموعودِ {عَلَى القوم المفسدين} بابتداعِ الفاحشةِ وسنِّها فيمن بعدَهُم والإصرارِ عليها واستعجالِ العذابِ بطريقِ الاستهزاءِ وإنما وصفَهم بذلك مبالغةً في استنزالِ العذابِ عليهم {وَلَمَّا جَاءتْ رُسُلُنَا إبراهيم بالبشرى} أي بالبشارةِ بالولدِ والنافلة {قَالُواْ} أي لإبراهيمَ عليه السَّلامُ في تضاعيفِ الكلامِ حسبما فُصِّل في سورة هود وسورة الحجرِ {إِنَّا مُهْلِكُو أَهْلِ هذه القرية} أي قريةِ سَدُومَ. والإضافةُ لفظيةٌ لأنَّ المَعنى على الاستقبالِ {إِنَّ أَهْلَهَا كَانُواْ ظالمين} تعليلٌ للإهلاكِ بإصرارِهم على الظُّلم وتمادِيهم في فُنون الفسادِ وأنواعِ المَعَاصي {قَالَ إِنَّ فِيهَا لُوطاً} فكيف تُهلكونها {قَالُواْ نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَن فِيهَا لَنُنَجّيَنَّهُ وَأَهْلَهُ} أرادُوا أنَّهم غيرُ غافلينَ عن مكانِ لوطٍ عليه السَّلام فيها بل عمَّن لم يتعرض له إبراهيمُ عليه السَّلامُ من أتباعِه المؤمنينَ وأنَّهم معتنُون بشأنهم أتَّم اعتناءٍ حسبما يُنبيء عنه تصديرُ الوعد بالتَّنجيةِ بالقسمِ أيْ والله لننجينَّه وأهلَه {إِلاَّ امرأته كَانَتْ مِنَ الغابرين} أي الباقينَ في العذابِ أو القريةِ.


{وَلَمَّا أَن جَاءتْ رُسُلُنَا} المذكورينَ بعد مفارقتِهم لإبراهيمَ عليه السَّلامُ {لُوطاً سِىء بِهِمْ} اعتراهُ المساءةُ بسببهم مخافةَ أنْ يتعرَّض لهم قومُه بسوءٍ. وكلمةُ أنْ صلةٌ لتأكيدِ ما بين الفعلينِ من الاتِّصالِ {وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا} أي ضاقَ بشأنِهم وتدبير أمِرهم ذرعُه أي طاقتُه كقولِهم ضاقتْ يدُه وبإزائِه رَحُبَ ذَرْعُه بكذا إذا كان مُطبقاً به قادراً عليه وذلك أنَّ طويلَ الذِّراعِ ينالُ ما لا يناله قصير الذِّراع.
{وَقَالُواْ} ريثما شاهدوا فيه مخايلَ التَّضجرِ من جهتهم وعاينُوا أنَّه قد عجزَ عن مُدافعةِ قومِه بعد اللَّتيا والتِّي حتى آلتْ به الحالُ إلى أنْ قالَ: {لو أنَّ لي بكم قوةً أو آوي إلى رُكنٍ شديدٍ} {لاَ تَخَفْ} أي من قومِك علينا {وَلاَ تَحْزَنْ} أي على شيءٍ وقيل بإهلاكِنا إيَّاهم {إِنَّا مُنَجُّوكَ وَأَهْلَكَ} ممَّا يُصيبهم من العذابِ {إِلاَّ امرأتك كَانَتْ مِنَ الغابرين} وقرئ: {لننجينَّك} و{منجُّوك} من الإنجاءِ، وإيَّا ما كان فمحلُّ الكافِ الجرُّ على المختارِ ونصب أهلكَ بإضمار فعلٍ أو بالعطفِ على محلِّها باعتبارِ الأصلِ {إِنَّا مُنزِلُونَ على أَهْلِ هذه القرية رِجْزاً مّنَ السماء} استئنافٌ مسُوقٌ لبيانِ ما أشير إليه بوعدِ التَّنجيةِ من نزول العذابِ عليهم. والرِّجزُ العذابُ الذي يُقلقُ المعذَّبَ أي يُزعجُه من قولِهم ارتجزَ إذا ارتجسَ واضطربَ. وقرئ: {مُنزِّلون} بالتَّشديدِ. {بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ} بسببِ فسقِهم المستمرِّ {وَلَقَد تَّرَكْنَا مِنْهَا} أي من القريةِ {آيَةً بَيّنَةً} هي قصَّتُها العجيبةُ آثارُ ديارها الخربةِ وقيل: الحجارةُ المطمُورة فإنَّها كانتْ باقيةً بعدها وقيل: الماءُ الأسودُ على وجهِ الأرضِ {لّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} يستعملون عقولَهم في الاستبصارِ والاعتبارِ وهو متعلقٌ إما بتركنَا أو ببينةً {وإلى مَدْيَنَ أخاهم شُعَيْباً} متعلق بمضمن معطوفٍ على أرسلنا في قصَّة نوحٍ عليه السَّلام أي وأرسلنا إلى مدينَ شُعيباً {فَقَالَ ياقوم اعبدوا الله} وحدَه {وارجوا اليوم الاخر} أي توقَّعوه وما سيقعُ فيه من فُنون الأهوالِ وافعلُوا اليوم من الأعمالِ ما تأمنون غائلتَهُ وقيل: وارجُوا ثوابَه بطريقِ إقامةِ المسبَّبِ مقامَ السَّببِ وقيل: الرَّجاءُ بمعنى الخوفِ {وَلاَ تَعْثَوْاْ فِى الارض مُفْسِدِينَ} {فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَتْهُمُ الرجفة} أي الزَّلزلةُ الشَّديدةُ وفي سورة هود وأخذتِ الذين ظلمُوا الصَّيحةُ أي صحيةُ جبريلَ عليه السَّلام فإنَّها المُوجِبة للرَّجفة بسبب تمويجِها للهواءِ وما يُجاورها من الأرض {فَأَصْبَحُواْ فِي دَارِهِمْ} أي بلدِهم أو منازِلهم والإفرادُ لأمنِ اللَّبسِ {جاثمين} باركينَ على الرُّكبِ ميِّتينَ.


{وَعَاداً وَثَمُودَ} منصوبانِ بإضمارِ فعلٍ يُنبىء عنه ما قبلَه أي أهلكَنا. وقرئ: {ثموداً} بتأويلِ الحيِّ {وَقَد تَّبَيَّنَ لَكُم مّن مساكنهم} أي وقد ظهرَ لكم إهلاكُنا إيَّاهم من جهةِ مساكنِهم بالنَّظر إليها عند اجتيازِكم بها ذهاباً إلى الشَّامِ وإياباً منه {وَزَيَّنَ لَهُمُ الشيطان أعمالهم} من فُنون الكفرِ والمَعاصي {فَصَدَّهُمْ عَنِ السبيل} السَّويِّ الموصِّلِ إلى الحقِّ {وَكَانُواْ مُسْتَبْصِرِينَ} ممكِّنين من النَّظرِ والاستدلالِ ولكِنَّهم لم يفعلُوا ذلك أو متبينين أنَّ العذابَ لاحقٌ بهم بإخبارِ الرُّسلِ عليهم الصَّلاةُ والسَّلامُ لهم ولكنَّهم لجُّوا حتَّى لقُوا ما لقُوا {وقارون وَفِرْعَوْنَ وهامان} معطوفٌ على عاداً. قيل: تقديمُ قارونَ لشرفِ نسبِه {وَلَقَدْ جَاءهُمْ موسى بالبينات فاستكبروا فِى الارض وَمَا كَانُواْ سابقين} مفلتينَ فائتينَ من قولِهم سبقَ طالبَه إذا فاتَه ولم يُدركه ولقد أدركَهم أمرُ الله عزَّ أيَّ إدراكٍ فتداركُوا نحوَ الدَّمارِ والهَلاَكِ {فَكُلاًّ} تفسيرٌ لما يُنبىء عنه عدمُ سبِقهم بطريقِ الإبهامِ أي فكلُّ واحدٍ من المذكورينَ {أَخَذْنَا بِذَنبِهِ} أي عاقبناهُ بجنايتِه لا بعضِه دُون بعضٍ كما يُشعر به تقديمُ المفعولِ {فَمِنْهُم مَّن أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِباً} تفصيلاً للأخذِ أي ريحاً عاصفاً فيها حصباءُ وقيل مَلَكاً رماهم بها وهم قومُ لوطٍ {وَمِنْهُمْ مَّنْ أَخَذَتْهُ الصيحة} كمدينَ وثمود {وَمِنْهُمْ مَّنْ خَسَفْنَا بِهِ الارض} كقارون {وَمِنْهُمْ مَّنْ أَغْرَقْنَا} كقومِ نوحٍ وفرعونَ وقومِه {وَمَا كَانَ الله لِيَظْلِمَهُمْ} بما فعل بهم فإنَّ ذلك محالٌ من جهتِه تعالى {ولكن كَانُواْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} بالاستمرارِ على مُباشرةِ ما يُوجبُ ذلك من أنواعِ الكفرِ والمَعاصي.
{مَثَلُ الذين اتخذوا مِن دُونِ الله أَوْلِيَاء} أي فيما اتَّخذوه معتمداً ومتَّكلاً {كَمَثَلِ العنكبوت اتخذت بَيْتاً} فيما نسجتْهُ في الوهنِ والخورِ بل ذلك أوهنُ من هذا لأنَّ له حقيقةً وانتفاعاً في الجُملة أو مَثَلُهم بالإضافةِ إلى المُوحَّدِ كمثله بالإضافة إلى رجلٍ بنى بيتاً من حجرٍ وجِصَ. والعنكبوتُ يقعُ على الواحدِ والجمعِ والمذكَّرِ والمؤنَّثِ، والغالبُ في الاستعمالِ التَّانيثُ وتاؤُه كتاءِ طاغوت ويُجمع على عناكبَ وعنكبوتاتٍ وأمَّا العِكَابُ والعُكُبُ والأَعْكُبُ فأسماءُ الجموعِ {وَإِنَّ أَوْهَنَ البيوت لَبَيْتُ العنكبوت} حيثُ لا يُرى شيءٌ يدانيِه في الوَهَنِ والوَهَى {لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ} أي شيئاً من الأشياءِ لجزمُوا أنَّ هذا مثلُهم وأنَّ دينَهم أَوْهى من ذلكَ ويجوزُ أنْ يجعلَ بيتُ العنكبوتِ عبارةً عن دينِهم تحقيقاً للتَّمثيلِ فالمعنى وإنَّ أوهنَ ما يُعتمد به في الدِّين دينُهم.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7